ایکنا

IQNA

أطروحة القرآن في حشر الطواغيت إلى جهنم

10:15 - October 28, 2023
رمز الخبر: 3493211
بيروت ـ إكنا: إن التدبر في آيات الله تعالى التي تتحدث عن صراعات النبوة مع الطواغيت، يكشف لذي لب وبصيرة أن الآيات تدعو إلى الاعتبار بمآلات هذا الصراع في واقعه التاريخي.

وإن التدبر في آيات الله تعالى التي تتحدث عن صراعات النبوة مع الطواغيت، يكشف لذي لب وبصيرة أن الآيات تدعو إلى الاعتبار بمآلات هذا الصراع في واقعه التاريخي،كما قال تعالى "ولقد كان في قصصهم عبرة…".، فهذه هي سنة الله في خلقه أن يعتبر الناس لتكون لهم ضمانة التحول الإيجابي في ما يختارونه من تحولات في الدين والاجتماع والسياسة والتدبير.

ولا شك في أن ما يعرض له القرآن من قصص وتجارب هو يطلق حكماً ثابتاً أن الطواغيت يتجاهلون الأسباب، ويجانبون الاعتبار، فتكون لهم الهزائم في الدنيا والنار في الآخرة! ولهذا نجد القرآن دائماً يعلن انتصار النبوة في مواجهة الطواغيت رغم كل المحن والبلاءات التي تصيبهم في طريق الدعوة إلى الله تعالى.

فغزوات الرسول(ص) في صراعه مع طواغيت قريش وأجلافها لم تكن مجرد أحداث واقعية، وإنما كانت نذيراً لتحولات وجودية بلحاظ أسبابها، في الموقف والرؤية والهدف، ومن ثمّ في التحقق الوجودي كما أراد الله تعالى، وكذلك الحال فيما عرض له القرآن عن صراع النبوة مع فرعون وقارون وهامان، حيث نجد القرآن يؤسس لموقف ورؤية واقعية في صناعة الحدث،ويظّهر لنا معنى وحقيقة أن يحشر الناس ضحىً في يوم الزينة لإعلان غلبة النبوة أمام الناس.


وهذا إنما كان قبل أن يحشر فرعون أمام السحرة، وقبل أن يغرق فرعون في اليم، فالأحداث لم تكن وليدة المعجزة بقدرما كانت متواكبة مع أسبابها الواقعية في الوعظ والإرشاد ومعايشة التجارب.

فأهل السياسة وكل من يعمل في حقول الدبلوماسية يمكنهم صياغة المواقف وتجنب الصراعات والحروب القاتلة، ولكنهم غالباً ما يجدون أن الأحداث تسبقهم فتخرج عن سياقاتها الطبيعية لتكون أحداثاً ضاغطة لا قبل لهم على التحكم بمآلاتها على نحو ما نعايشه من تجارب وأحداث في واقعنا المعاصر نتيجة لتفلت الطواغيت عن دائرة الاعتبار والواقعية!

فالسياسة مع الطاغوت ومخاطبته باللين أمر يطلبه القرآن ويحث عليه،كما قال تعالى:"اذهبا إلى فرعون فقولا له قولًا لينًا لعله يتذكر أو يخشى…"

ولكن ماذا لو لم يتعقل الطاغوت سياسة اللين وواقعية التحول الحضاري، وذهب به الصلف والكبرياء إلى أن يطغى ويقتل،كما هو حال طاغوت زماننا الأمريكي والأوروبي؟وكم من مشهد زينة قد حضره هذا الطاغوت دون أدنى اعتبار  بدافع من صلفه وغروره؟!

فالقرآن يظّهر لنا حقيقة أن يحشر الطاغوت بحيث لا يكون له القدرة على الفكاك مما يوقع نفسه فيه من أزمات وبلاءات، وقد سبق لأبي جهل أن عاند في رأيه يوم نجت العير في بدر، وأبى إلا أن تكون المواجهة مع الرسول(ص) وصحبه، ظناً منه أنه على شيء من القدرة للنيل من المسلمين، وكانت النتيجة فرقاناً إلهياً صادعاً،وحشراً واقعياً قاتلاً: فما أغنى عنه صلفه وكبرياؤه.

وهكذا هو حال كل طاغوت متجبر حينما يطبع على قلبه، فلايكون بمنجاة مما أعده الله له من هزيمة وجودية…
أطروحة القرآن في حشر الطواغيت إلى جهنم
فالسنن الإلهية،كما بينا حاكمة على الأحداث والتحولات، ولابد أن تعمل عملها في واقع الاختيار البشري وصدقية الانتماء والتصديق بحتمية النفوذ لإرادة الله تعالى فيما يكون مراداً في التكوين والتشريع.فإذا ما تعقل أهل الحضارة هذه السنن، وأدركوا أن المقادير بيد الله تعالى، وأخذوا بالأسباب الواقعية، اعتباراً بما حققه الله تعالى واختاره في إدارة الأزمات والتحولات الحضارية، فإن ذلك من شأنه أن يجعل البشر يعملون وفق الأسباب والسنن الحاكمة، فلا تقهرهم الأزمات ليكونوا أمام أجلهم المحتوم رغماً عن إرادتهم وتجاوزاً لاختياراتهم؟!

فالطاغوت الأمريكي اليوم لم يكن لديه من التوقعات أن يحشر كرهاً في أزمات الشرق الأوسط بعد اطمئنانه إلى مسارات التطبيع والتدجين! فأخذت به العزة الواهية إلى المحيط الهادىء وبحر الصين، فإذا به فجأة أمام حدث جديد يحشر إليه حشراً من غير إرادة منه على أبواب فلسطين! فهو طاغوت يعاند الأسباب وسنن التاريخ في أن تكون له عالمية الوجود والحضور تماماً كما عاند فرعون التاريخ يوم الزينة ظناً منه أن قاهرية الوجود له حصراً،فقال تعالى:"وإنا فوقهم قاهرون.."، وكانت نتيجة القاهرية الواهية الغرق في اليم ليكون آية لمن خلفه! إن عالمنا اليوم يقف أمام حشر جديد من مضيق هرمز إلى باب المندب حشر تجتمع فيه طواغيت الأرض ليعلنوا قاهرية جديدة زينها لهم الشيطان أنهم قادرون على فعل ما يشاءون إلا أن الله حكم بين العباد بأن أتى بهم إلى حيث لم يعهدوا قوة الله وجبروته، فلايتوهمن أحدُ أن هذا الطاغوت صانع لقدره أو غالب على أمره،فهو أوهن من بيت العنكبوت في نفسه.

ولا بد أنه مأخوذ بأسباب حاكمية الوجود، فهذا الطاغوت لم يكن بوارد صناعة ما يقف أمامه من أحداث وتحولات، بل كل شيء جاء من خارج إرادته،كما أن الذين صنعوا الأحداث لم يكونوا على وعي بمآلات هذا الحدث الوجودي الذي استتبع أن تتداعى له كل طواغيت العالم لنصرة طاغوت ماكر في فلسطين،فصناعة الحدث جاءت وفق الأسباب المعهودة لحركة التاريخ التي تضمن لكل شعب مقاومة المحتل،ولكن التداعيات مقدرة من الله تعالى، فكان الأمر على تحول قد قدر، والله غالب على أمره، ولا معقب لحكمه، ولا بد أن تستوي الأحداث على مرادات الله تعالى، وعلى ما لا قدرة لأحد على الفكاك مما أعدّه الله تعالى لطواغيت الأرض،كما قال تعالى:"فذرني ومن يكذِّب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون..".والسلام عليكم.

بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية "د. فرح موسى"

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:

 

أخبار ذات صلة
captcha