ایکنا

IQNA

أطروحة القرآن في استبدال الأمم والشعوب

12:26 - November 13, 2023
رمز الخبر: 3493430
بيروت ـ إكنا: إن ما يجري في فلسطين اليوم هو امتحان صعب مستصعب لمن يؤمن بإنسانية الإنسان وحقيقة الإيمان، ويؤدي تكاليف الدين بوعي وعقل عن الله ورسوله.

ويبين القرآن الكريم أن الذين آمنوا إذا لم ينفروا في سبيل الله، واثَّاقلوا إلى الأرض طلباً للدنيا وحباً بمتاعها، فإن الله تعالى يستبدلهم بقوم آخرين، ويعذبهم عذاباً أليماً،كما قال تعالى: "إلا تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضروه شيئاً والله على كل شيء قدير.". فالخطاب القرآني موجه للذين آمنوا ولم ينفروا في سبيل الله، وهذه أطروحة قرآنية كانت ولا تزال موضع اهتمام وتساؤل عند أهل البحث والتفسير، إذ لا نجد مفسراً أو فقيهاً إلا وتستوقفه هذه الآيات التي تدل على أن مجرد الإيمان والإسلام لا يكفي إن لم تكن لذلك تحققاته القلبية وآثاره العملية.


ولا شك في أن المشهد الذي تعايشه اليوم أمة الإيمان في ما يجري في قطاع غزة وفلسطين يفرض نفسه على الإنسانية كلها وقبل ذلك على العرب والمسلمين حيث كانوا في أرض الله! فهم يرون بأم العين كيف أن الإجرام الصهيوني بدعم من المستعمر الغربي يقتل الأطفال والنساء ويدمر كل شيء على مرأى ومسمع منهم! فأكثرية هؤلاء يشهدون الشهادتين، ويتقربون إلى الله بأعمال البر، ويتفاعلون مع الأحداث بمشاعر الأسى واللوعة، ولكنهم لا يبادرون إلى فعل شيء لنصرة إخوانهم في الدين والإنسانية؛ بل نراهم يدعون علناً إلى التهجير إلى داخل فلسطين! إيماناً منهم بضرورة التهجير وأهميته، سواء إلى داخل فلسطين أو إلى خارجها، المهم أن يحصل التهجير وتنتهي القضية، بحيث يعود الأمن والآمان والسلام إلى ربوع منطقة السلام بما يخدم خطوط الاقتصاد ومصالح النفط والغاز في الشرق الأوسط الجديد!؟ إن السؤال الذي يطرح هنا ويثير إشكالية في الوعي العربي الإسلامي والإنساني بشكل عام هو: لماذا لا يتقرّب عرب السلام والتطبيع وجميع المتخاذلين من أمة الإسلام إلى ربهم بأنواع العقل قبل أنواع البر؟
 
ومتى كان الناس الأحرار يحتاجون إلى طعام وشراب كي يعيشوا الحياة الحرة الكريمة؟ فها أنتم المتخاذلون عن نصرة الأحرار تنامون على اللدم، وما نظن أنه بقيت قيمة لهذا العقل العربي بعد أن استبد به السلام لدرجة الهوان!؟ إن ما ترون أيها الناس ينفعكم في دينكم ودنياكم لم تعد له قيمة المعنى الإيماني والعقلي والإنساني، ذلك أن مَن لا ينتصر لحقه في الوجود لا تبقى له قيمة الحياة أو الإيمان. لقد قالها أمير التقى والإيمان علي بن أبي طالب(ع):"قيمة المرء ما يحسنه…"،فماذا تحسنون أنتم؟،وقد استبدلتم بأمم الأرض لنصرة شعب فلسطين، فها هي شوارع باريس ولندن وواشطن وحيث نظرتم تشهد على مذلتكم وهوانكم!وهنا نسأل ما هي قيمة تكبيرات المآذن والمساجد إذا كان الله تعالى قد استبدلكم بأمم آخرى في الغرب والشرق!؟ ألا يكفيكم تلبدًا في الدين والمعرفة لتكونوا مجرد أعداد وأرقام بشرية!؟ لقد سحبتم أيها المتخاذلون من التداول التاريخي والحضاري؛ فأصبحتم إلباً لأعدائكم على أوليائكم بغير عدل أفشوه فيكم…
 
تتظاهرون بالمودة وتقتلون أمتكم كأن لا دين يجمعكم، ولا نخوة إخوة تثار فيكم،ذلكم هو معنى أن يستبدل البشر أن يخرجوا من التاريخ والإنسانية ليكونوا عبيداً للدنيا!؟ فما هي قيمة تأدية العبادات وصراخ الحجيج إلى مكة إن لم تكن فلسطين والقدس نبض الحياة فيكم؟ فإذا كان أكثر الناس غير مكلفين بحقيقة الإيمان إلا مَن كانت له ملكة العقل والاستعداد، فأين هم أهل العقل والفكر والفقه والتنظير الكلامي والفلسفي؟ أين هم أهل العروبة والقومية والعلمانية والاشتراكية وكل مَن اجترتهم أحناك الملايين أمام هول الجريمة في فلسطين!؟ أم أن هؤلاء لا يحسنون إلا إثارة الفتن الطائفية والمذهبية خدمة لأعداء الدين والإنسانية؟ لقد استبدلتم أيها المتخاذلون قديماً وها أنتم تستبدلون اليوم على أبواب فلسطين، فنهضت أمم وشعوب لنصرة غزة وشعب فلسطين.أطفئوا السراج أيها العرب، فهذه شمس فلسطين تشرق بفجر أمة جديدة يحبها الله ورسوله.

ما يجري في فلسطين اليوم امتحان صعب لمن يؤمن بإنسانية الإنسان
 
أمة تبدأ من فلسطين ولا تنتهي حيث أنتم،لما هو معلوم عن حقيقة استبدالكم، بحيث لا يكون لكم معنى في زمن العروبة النابضة بحقيقة الإيمان. إن ما يجري في فلسطين اليوم هو امتحان صعب مستصعب لمن يؤمن بإنسانية الإنسان وحقيقة الإيمان، ويؤدي تكاليف الدين بوعي وعقل عن الله ورسوله، فإيمانكم أيها العرب والمسلمون مرهون بعقولكم قبل أعمال بركم وصلواتكم، فإذا لم يعمل لنصرة فلسطين، فلن يكون الناس في مأمن الإيمان والرضوان،لأن فلسطين والقدس هي معيار التثاقل في الأرض من عدمه، وقد قال تعالى فيمن تثاقل إلى الأرض ولم ينفر لنصرة الحق وأهله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ(التوبة / 38).

الاستبدال سنة إلهية وحقيقة تأريخية
 
فالاستبدال سنة إلهية، وحقيقة تاريخية، ولابد أن الله ناظر في ما يعمل الناس، فليحدث العرب لأنفسهم شيئًا يتقربون به إلى الله تعالى، وليصححوا مسارات وجودهم بفلاح عقولهم وفوهات بنادقهم! فالله لا يخدع عن جنته، ولايعجزه شيء عن تحقيق نصره، فهو الغالب على أمره، فلاينبغي أن تترك فلسطين لمن غاب في تاريخه عنها.

فهي أرض الله تعالى وقدس الوجود؛ فلا بأس أن تفلق الهام شوقاً إليها وطمعاً بملكوت قدسها'كيف لا ؟وقد قال الامام علي(ع):"فلو أن امرأً مات من بعد هذا أسفًا ما كان به ملوماً،بل كان به عندي جديراً،فيا عجباً والله كيف أصبحتم غرضاً يرمى يغار عليكم ولا تغيرون،وتُغزون ولا تَغزون…!؟".والسلام.
 
بقلم الأكاديمي والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية

تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
أخبار ذات صلة
captcha