ایکنا

IQNA

حرق القرآن.. متى بدأت الجريمة؟

11:05 - February 10, 2023
رمز الخبر: 3489894
جريمة إحراق نسخة من المصحف الشريف في السويد، أمام السفارة التركية، التي ارتكبها اليميني المتطرّف الدانماركي راسموس بالودان، كانت لها دوافع سياسية، وذلك للتنديد بالمفاوضات التي تجريها السويد مع تركيا حول انضمامها إلى حلف الناتو.

وجريمة إحراق نسخة من المصحف الشريف في السويد، أمام السفارة التركية، التي ارتكبها اليميني المتطرّف الدانماركي راسموس بالودان، كانت لها دوافع سياسية، وذلك للتنديد بالمفاوضات التي تجريها السويد مع تركيا حول انضمامها إلى حلف الناتو، وفي الوقت نفسه لم تكن حدثًا عابرًا أو حالة استثنائية في أوروبا والغرب بوجه عام، لأنه بالعودة إلى التاريخ نجد أن هذا الحدث الشائن بدأ منذ عام 1530م.

دوافع سياسية ودينية

عندما ظهرت في البندقية أول نسخة مترجمة لمعاني القرآن الكريم باللغة اللاتينية، أصدر البابا كليمنت السابع بابا الفاتيكان مرسومًا في العام نفسه بإحراق هذه الطبعة، وبعد ذلك مباشرة صدرت قرارات من محاكم التفتيش الإسبانية تحظر إصدار أي ترجمات باللغة اللاتينية للقرآن الكريم.

وقد بدأ أحد العاملين في الطباعة آنذاك، وهو يوهانز أوبورينوس في مدينة بال السويسرية في عام 1541م، بطباعة ترجمة باللغة اللاتينية لمعاني القرآن الكريم، كان قد أعدّها روبرت كيتون في القرن الـ12 الميلادي، ولكن سلطات مدينة بال السويسرية صادرت هذه الطبعة بأكملها أيضا، وقد ارتكبت هذه الجريمة عدة مرات أخرى من قبل بعض المسيحيين أثناء الحرب الصليبية. وللمفارقة والتأكيد لهذا النهج المعادي والكاره للإسلام، بقيت هذه الجرائم تتكرر حتى الوقت الحالي. وليست هذه المرة الأولى، ولن تكون بطبيعة الحال الأخيرة التي يُعتدى فيها على حرمات الإسلام ومقدساته، وتنتهك بطريقة مستفزة ووقحة وبعيدة عن الأخلاق الإنسانية والسلوك الحضاري.

ردودنا ليست على مستوى الجريمة

إن حرق نسخة المصحف الكريم وصدور قرار رسمي من السلطات السويدية بالسماح بذلك وحمايته أمر يحمّل هذه الحكومة المسؤولية الكاملة عن هذا الفعل المخزي. وإذا كان لكتاب الله رب يحميه (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) (سورة الحجر/الآية 9) وهو الحليم والمنتقم الجبار سبحانه: (ذلك ولو يشاء الله لانتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض) (سورة محمد/الآية 4)، غير أننا ومع كل الأسف فشلنا في هذا الابتلاء، على مستوى الأمة والأفراد والدول -مع استثناءات محدودة ومعدودة- في اختبار الانتصار لربنا ولرسولنا صلى الله عليه وآله وسلم ولقرآننا الكريم، وكانت الردود الرسمية محدودة وليست على مستوى عظم الجريمة، كأن الجريمة موجهة إلى تركيا فقط لا إلى كل المسلمين، وذلك بشكل مخجل ومعيب.

دروس وعبر من تكرار الجريمة

إن في مسألة حرق المصحف أمورا عديدة ومؤشرات كثيرة، منها وبشكل مختصر:

تتجرأ بعض الأنظمة الغربية والقوى اليمينية المتطرفة أساسا على محرمات المسلمين، لأنها واثقة من أن ردود الفعل الرسمية لن تتعدى إن وجدت بعض الكلمات الجوفاء والبيانات العرجاء، وردود الفعل الفردية والمنفعلة التي تدعو إلى الانتقام وحرق نسخ التوراة والإنجيل، ولو كان عند حكومة السويد أدنى شك بأنها ستواجه أي إجراءات اقتصادية خصوصا في مجال الطاقة، أو تجارية كالمقاطعة، أو سياسية كاستدعاء السفراء أو قطع العلاقات الدبلوماسية من الدول الإسلامية والعربية لما تجرأت على التصرف بوقاحة ووضاعة وامتهان مشاعر نحو ملياري مسلم.

هل تجرؤ حكومة السويد الرسمية على السماح بحرق التوراة أو الإنجيل (وهو أمر نرفضه تماما نحن المسلمين) أمام سفارات السويد أو الدانمارك أو هولندا مثلا أو الدولة العبرية على سبيل المثال، فضلا عن تقديم الحماية لذلك السلوك؟ وهل ستعطي حكومة السويد المهتمين بالأخلاق والعفة من مواطنيها المسلمين وغيرهم الإذن بالتظاهر مثلا أو بحرق علم الشواذ وشعاراتهم في ميدان عام؟شجع السويد على موقفها الرسمي العدائي في مسألة إحراق المصحف ما حدث في فرنسا؛ فقد اعتدى رئيسها ماكرون على مقام الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، ومع كل ذلك لم تتخذ أي حكومة مسلمة موقفا تجاه فرنسا، بل إن رئيسها استقبل في بلاد المسلمين بالحفاوة والتكريم والسجاد الأحمر.

الغرب الذي يعاني أزمات أخلاقية عميقة، وتفككا أسريا كبيرا، وتجارة الرقيق الأبيض، وحالات عنف دموي وإطلاق نار بشكل عشوائي، لا ينشغل لا بالبوذية ولا بالهندوسية ولا بغيرهما من الأديان. هو فقط ينشغل بالإسلام، والسبب في ذلك هو حيوية الإسلام، وما يشكله من بديل أخلاقي وحضاري لمدنيته الآخذة في الأفول والتي تغرق في أوحال الشذوذ وقيعان الإدمان والضياع والبوهيمية. هذه الحيوية والإقبال على اعتناق هذا الدين هما اللذان يجعلان الإسلام الدين الأكثر انتشارا، وخيار العديد من نخبة العلماء والمفكرين الغربيين مثل رجاء جارودي ومراد هوفمان يرحمهما الله وغيرهم.

وحرق المصحف هو تصرف الحمقى والجهلة والحاقدين، ولو كان عندهم القدرة على تدبر القرآن وفهمه علميا وفكريا ومنطقيا لفعلوا، ويكفي أن نعلم أن مستشار نيكسون القانوني روبرت كرين -رحمه الله- وهو اليهودي الحاصل على دكتوراه في القانون من جامعة هارفارد العريقة أعلن إسلامه حين قرأ آيات الميراث في القرآن فتعجّب من إيجازها وإعجازها وشمولها الكامل معلنا أن لا قدرة لبشر على فعل ذلك، وأمثاله في مختلف التخصصات كثيرون ويضيق المقام لذكرهم.

على الرغم من أن المقصود من مثل هذه التصرفات الاعتداء على الإسلام والانتقاص منه، فإن كثيرا من المسلمين حتى من غير الملتزمين يجدون في مثل هذه التصرفات الرعناء استفزازا يدفعهم إلى إعادة رسم علاقاتهم بالإسلام بشكل أكثر قربا وتطبيقا، لا بل إن مثل هذه التصرفات والهجمات السابقة دفعت العديد من الغربيين إلى دراسة الإسلام واعتناقه عن قناعة ورغبة. ومن حيوية هذا الدين المحفوظ من الله وتسامحه وقبوله للآخر ووعد الله بحفظه سبحانه وتعالى أن أسلم بعض ممن كان في طليعة قيادة حملات الإساءة مثل أرناود فان دورن السياسي السابق في حزب الحرية الهولندي المتطرف وأحد المشاركين في إنتاج فيلم "الفتنة" المسيء للإسلام بوضاعة، والذي هداه الله للإسلام وأعلن توبته وندمه على دوره في الهجوم على دين الحق.

وربط تركيا بالإسلام، على الرغم من أن أنقرة تعلن أن نظامها في الحكم علماني، يكشف أن دافع الحقد الغربي على تركيا الأساسي أنها دولة مسلمة وأن الحكم فيها يقترب من القيم الإسلامية في نشر الأخلاق والقيم الأسرية وحتى الإنسانية وقد كان دوره عالميا في وباء كورونا، وفي أزمة أوكرانيا وحل مشكلة الغذاء، وأن الحقد على تركيا سببه عرقلتها دخول السويد إلى حلف الناتو إلا بشروط تركيا وتسليم الإرهابيين الذين يقيمون على أرض السويد وتحت حمايتها.

أفعال سويدية ومعايير مزدوجة مع المسلمين

حرق نسخ القرآن الكريم وقع قبل ذلك في مدينة سويدية أخرى غير العاصمة ستوكهولم، وخرج بعض الشباب المسلمين رفضا لهذا الفعل الشائن وقبض عليهم وعوقب من تظاهر تعبيرا عن حرية الرأي بالسجن ٤ سنوات من دون أي اعتبار لدعاوى الحرية والديمقراطية الجوفاء.

وكدليل على ازدواجية المعايير في التعامل، تعهدت السويد لسفير إسرائيل بمنع أي محاولة لحرق التوراة أمام سفارة الكيان الصهيوني، وذلك بعد تقدم مواطن سويدي بطلب رسمي للسماح له بذلك لاختبار صدق الديمقراطية السويدية في حماية حرية التعبير، وقد شكر السفير الإسرائيلي حكومة السويد على تفهمها.

موقف دولة قطر المشرف

دعت الدكتورة حمدة السليطي نائبة رئيس مجلس الشورى القطري، على هامش أعمال الدورة الـ١٧ لمؤتمر اتحاد مجالس الدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي المنعقد في الجزائر، إلى ضرورة اتخاذ موقف حازم للرد على حوادث حرق نسخ القرآن المتكررة في دول أوروبية عديدة بموافقة وحماية حكوماتها، بدعوى حرية التعبير.

الرد على السويد من دون انفعال وعنف

الرد المؤثر على السويد ممكن؛ بمقاطعة أكبر شركاتها وهي فولفو وسكانيا.

وسيعزز هذا انتصار الإسلام دين المحبة والرحمة والتسامح، فالإسلام لا يحتاج لنصرتنا بل نحن من نحتاج لننصره حتى لا نكون من الأخسرين أعمالا، وحتى نلقى الله ونحن على حب رسوله صلى الله عليه وآله وسلم، وتعظيم كتابه وتوقيره.

بقلم "ميرفت إبراهيم" كاتبة ومستشار دولي في التنمية المستدامة 

أخبار ذات صلة
captcha