ایکنا

IQNA

جواهر عَلَويَّة..

صَنِيعُ الْمَالِ يَزُولُ بِزَوَالِهِ

16:52 - January 22, 2024
رمز الخبر: 3494307
بيروت ـ إکنا: إن العلم يُخلِّد ذكر الانسان في الآخِرين ما دام الآخِرون ينهلون ويستفيدون منه، والعمل الصالح يُخَلِّده في الناس ما دام الناس يستفيدون منه، والسُّنَّة الحَسَنَة تُبقيه معروفاً في الأجيال القادمة ما دامت سُنَّتك حَيَّة فيهم.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: "صَنيعُ الْمالِ يَزُولُ بِزَوالِه".
 
إن أردتَ البقاء فراهن على ما يبقى، وإن أردت الدوام فراهن على ما يدوم وتمتد آثاره، وحذار أن تراهن على ما يزول ويفنى، إن العلم يُخلِّد ذكرك في الآخِرين ما دام الآخِرون ينهلون ويستفيدون منه، والعمل الصالح يُخَلِّدك في الناس ما دام الناس يستفيدون منه، والسُّنَّة الحَسَنَة تُبقيك معروفاً في الأجيال القادمة ما دامت سُنَّتك حَيَّة فيهم.

إذا كنت صنيع ما تقدم فأنت باقٍ في الناس، وذكرك فيهم حَيٌّ، وسيذكرونك بخير قروناً كثيرة، كما هو الحال في العلماء والعباقرة والفلاسفة والأنبياء والرسل وكل الذين تركوا أثراً طيِّباً في حياة الناس، في حياتك يقبل الناس عليك وبعد مماتك يقبل الناس على آثارك، بل تتعاظم آثارك ويتعاظم ذكرك فيهم، إن علماء كثيرين عظُمَ حضورهم وشَرُف ذكرهم بعد مماتهم أكثر مِمّا كان في حياتهم حين اكتشف الناس قيمة ما قدموه. 

أما إذا كنت صَنيع ما يزول فأنت تزول بزواله، يحتشد الناس حولك ما دامت جيوبك مليئة بالمال، ويُظهرون لك الوِد والاحترام، ويَلقَونك بالترحيب والابتسامة، ويدعونك إلى مجالسهم، فتظن أنك أمير فيهم وأنك المُبَجَّل المحترم، وقد يأخذك الغرور، وتنتابك نشوة العُجب، وتتورَّم نفسك وتظن أنك أَوْحَدِيُّ زمانك، وأنك الأول والآخر في الناس، وأنهم بحاجة إليك ولا يقطعون أمراً دون رأيك، فإذا ذهب مالُك انفَضّوا من حولك، وأداروا ظهورهم لك، ولم يعد أحد يعبأ بأمرك، ويصبح الذين كانوا يتحلقون حولك بالأمس يفِرُون منك، إن اتصلت بأحدهم لم يجب اتصالك، وإن أردت من أحدهم شيئاً لم يهتم لأمرك، فالفرق كبير، كبير جداً بينك وبين الحاضر في الناس بسبب عِلمه أو عمله أو سُنَّته، فهذا يدوم ذكره، ويدوم حضوره وتأثيره، أما أنت فحين ينضب مالك يفقد الناس اهتمامهم بك، لأن اهتمامهم كان منصباً على المال لا عليك، ولم يكن تشريفهم لشخصك بل للمتاع الذي كان في يدك.

ولا يحتاج الأمر إلى سوق الأدلة لإثباته فالتجربة الاجتماعية المَديدة تشهد ذلك، فكم من غني تحلَّق الناس حوله حين غِناه ثم حين افتقر لم يجد أحداً حوله، وكم من صاحب سلطان كان الناس طَوع أمره فلما ذهب سلطانه لم يجد أحداً يلقي التحية عليه.

ومما يؤسَف له أنني قرأت قبل نحو أسبوع خبراً عن مناشدة ابنة الرئيس سليم الحص وهو المشهود له بالنزاهة والوطنية والسيرة السياسية الحَسَنة وقد ترأسَ مجلس الوزراء خمس مرات، وكان الكبير والصغير يرغب بوصاله، وأصحاب النفوذ من سياسيين واقتصاديين ورجال أعمال وموظفين كل يريد حظوة لديه أيام حكمه، فإذا بابنته الوحيدة تناشد رئيس مجلس الوزراء الحالي أن يتدخل لدى مستشفى الجامعة الأمريكية لتقبل إدخاله إليها والسبب مطالبتها بالمال قبل أن تستقبله.          

نعم: يمكنك إن وسَّع الله عليك في الرزق، وأنعم عليك في المال ففي مقدورك أن تصنع به مجداً يبقى، أن تدخره لما بعد حياتك في الدنيا وفي الآخرة، تُخرج منه الحقوق الواجبة، وتنفقه فيما يُرضي الله تعالى، وتجعل منه صدقات جارية يجري ذكرك معها ما جرت في الزمان.

بقلم الكاتب والباحث اللبناني في الشؤون القرآنية السيد بلال وهبي
 
تابعونا على شبكات التواصل الاجتماعي:
captcha